بلغت نسبة النجاح في امتحان شهادة البكالوريا، دورة جوان 2013، حدود 47 بالمائة، حيث حصدت مدرسة أشبال الأمة المرتبة الأولى، إذ بلغت نسبة النجاح بها 99.25 بالمائة، تليها في المرتبة الثانية ثانوية حسيبة بن بوعلي بالقبة التابعة لمديرية التربية للجزائر وسط. وأما المرتبة الثالثة فقد كانت من نصيب ولاية باتنة.
ومقارنة بالنتائج المحققة في بكالوريا دورة جوان 2012، حيث تم تسجيل نسبة نجاح قدرت بـ58.84 بالمائة، ما يعادل 230989 ناجح، فإن نسبة النجاح لهذه الدورة قد عرفت تراجعا ملحوظا، وعليه فهل لهذا التراجع علاقة مباشرة بما اصطلح عليه بـ"مهزلة الفلسفة"، أين قام المترشحون شعبة آداب وفلسفة بممارسة الغش الجماعي أين احتجوا ونددوا بصعوبة الأسئلة، خاصة وأنه قد تم إقصاء أزيد من 3 آلاف مترشح عبر 18 ولاية موزعة عبر الوطن.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل هذه النسبة المحققة تعد أكبر ضربة لقطاع التربية الوطنية، وبالتالي سقوط إصلاحات الوزير السابق أبو بكر بن بوزيد؟ أم هو فشل ذريع في التسيير للوزير الحالي بابا أحمد؟ خاصة وأنها تجربته الأولى في البكالوريا خصوصا، والامتحانات الرسمية على وجه العموم. وهل هذا الرقم يعبر فعلا عن "نجاح حقيقي" في امتحان مصيري كالبكالوريا، خاصة وأن الوزير بابا أحمد قد أكد، في الحوار الذي أجراه مع "الشروق" مؤخرا، بأن نتائج البكالوريا لن تكون "سياسية"، وبالتالي فهل بكالوريا السنوات الماضية في عهد الوزير السابق أبو بكر بن بوزيد كانت "سياسية" بالدرجة الأولى؟
وسجلت هذه السنة وسائل الإعلام، غلقا وتعتيما من طرف وزارة التربية الوطنية، وكذا الديوان الوطني للامتحانات والمسابقات، فحتى بعد إعلانه عن نتائج الناجحين في الامتحان عبر موقعه صبيحة أمس، عكس ما ورد تماما في بيانه، الذي تسلمت "الشروق" نسخة منه، والذي قال فيه بأن النتائج سيعلن عنها مساء أمس على أن نشرها وتعليقها بالثانويات اليوم، ورغم ذلك فقد رفض الإدلاء بأية تصريحات، في حين دخل المسؤولون بوزارة التربية في اجتماع "مغلق" و"سري للغاية" منذ صبيحة أمس، بحيث امتد اللقاء لساعات ومن دون أن التمكن من الحصول على أية معلومة.
وعلى صعيد آخر فإنه يمكن للناجحين سحب الشهادات النهائية وكشوف النقاط من المؤسسات التي يدرسون بها وذلك ابتداء من اليوم. أما الذين لم يسعفهم الحظ في النجاح فيمكنهم سحب كشوف نقاطهم ابتداء من غد الأربعاء عبر موقع الديوان الذي نشرت فيه نتائجهم
زلزال يضرب التلاميذ "المتهمين" بالغش الجماعي
إقصاء 3 آلاف مترشح من البكالوريا عبر 18 ولاية
بلغ عدد المترشحين الذين تم إقصاؤهم من امتحان شهادة البكالوريا 10 آلاف مترشح، على مستوى 18 ولاية، بعدما ثبت تورطهم في "الغش الجماعي" في اختبار مادة الفلسفة شعبة آداب وفلسفة، في اليوم الثالث من الامتحان بناء على التقارير المرفوعة من قبل الأساتذة المصححين.
علمت "الشروق" من مصادر مطلعة، أن كل مترشحي شعبة آداب وفلسفة، التابعين لدوائر حسين داي، زرالدة، باب الوادي وبئر توتة، قد تم إقصاؤهم من امتحان شهادة البكالوريا دورة جوان 2013، بعدما تم منحهم علامة 0 في اختبار مادة الفلسفة بسبب ممارستهم للغش الجماعي، بحجة أن الأسئلة قد وردت صعبة وتعجيزية، مؤكدة بأن ممارسة الغش الجماعي قد ثبت في 18 ولاية بنسب متفاوتة، بينها من تأكد فيها الغش بين مركزين إلى ثلاثة مراكز، في الوقت الذي شددت بأنه في الجزائر العاصمة قد تم إقصاء كافة المترشحين من امتحان شهادة البكالوريا، الذين اجتازوا الامتحان في المراكز الثلاثة التالية، زبانة، اسطاوالي وعقبة.
وأضافت ذات المصادر، أن هناك من المترشحين الذين تم إقصاؤهم بسبب اختبار مادة الفلسفة، قد تحصلوا على معدل عام تراوح بين 15 و16 على 20، وهم تلاميذ تحصلوا على علامات جيدة في مختلف المواد خلال الموسم الدراسي، لكن العلامة الاقصائية "صفر" قد حرمتهم من نيل شهادة البكالوريا، مما دفع بهؤلاء المقصين وأوليائهم إلى التجمع والاعتصام أمام مباني مديريات التربية في الولايات، ووصفوا القرار بغير العادل والتعسفي الذي قضى على مستقبلهم، على اعتبار أن العقوبة التي ستسلط عليهم هي إقصاؤهم من اجتياز امتحان شهادة البكالوريا مدة 5 سنوات.
وبخصوص الأساتذة الحراس ورؤساء مراكز الإجراء والملاحظين الذين فتح الديوان الوطني للامتحانات والمسابقات، مؤخرا تحقيقات ضدهم بناء على تقارير أمنية تؤكد تورط بعضهم في الغش الجماعي، سيتم استدعاؤهم شهر جويلية المقبل، ومن المحتمل جدا أن يتم إحالتهم على مجالس التأديب، خاصة وأن وزير التربية، قد توعد بتسليط أقصى العقوبات ضدهم قد تصل إلى العزل من القطاع. وبمجرد إعلان الديوان الوطني للامتحانات والمسابقات عن النتائج، حتى سارعت مديريات التربية في بعض الولايات إلى إرسال قوائم الناجحين إلى الثانويات لنشرها وتعليقها في نفس اليوم من دون أي تأخير.
النجباء يبكون أمام الثانويات والأولياء يطالبون بفتح تحقيق
إغماءات و"احتجاجات".. والمقصون يلعنون الفلسفة
تفاجأ مئات المترشحين للبكالوريا شعبة الآداب والفلسفة، بإقصائهم لمدة خمس سنوات بسبب الغش، وهو ما لم يهضمه التلاميذ وأولياؤهم مما أثار سخطا وإغماءات، وحرك احتجاجات عفوية أمام الثانويات التي عرفت رسوبا جماعيا هو الأول من نوعه منذ الاستقلال، مما يعني أن ملف فضيحة الفلسفة لم يغلق بعد وقد يمتد لأشواط أخرى.
ثانوية حسيبة بن بوعلي، إحدى أعرق ثانويات العاصمة، نجباؤها تم إقصاؤهم لخمس سنوات كاملة، ثانوية عائشة أم المؤمنين التي حققت الموسم الماضي، أعلى نسبة نجاح سجلت هذا الموسم رسوبا جماعيا، ثانوية عقبة، زبانة، اسطوالي، الثعالبية، جسر قسنطينة، وغيرها من الثانويات عرفت اقصاءا جماعيا حطّم آمال مئات المترشحين.
مراد، واحد من التلاميذ النجباء كان يبكي أمام ثانوية أحمد زبانة، وهو يردد بصوت عال: "معدلي في الفصول 14 من 20 فكيف أقصى لمدة خمس سنوات، وهي المرة الأولى التي اجتاز فيها البكالوريا".
وفور تعميم نشر النتائج على موقع الديوان واكتشاف التلاميذ إقصاءهم مع تدوين ملاحظة مقصي بسبب الغش، توافد التلاميذ على ثانوياتهم ليكتشفوا أن الإقصاء كان جماعيا.
هند، متفوقة ثانوية الثعالبية في شعبة الآداب والفلسفة، أكدت والدتها في حديث "للشروق" الحالة الحرجة التي تمر بها ابنتها "ابنتي سهرت الليالي وهي متفوقة منذ صغرها فكيف تقصى لخمس سنوات". وتجمهر مئات التلاميذ وأولياؤهم ممن تركوا مناصب عملهم، والتحقوا بأبنائهم، مطالبين مديريات التربية بتقديم تفسير، إلا أن الأبواب أوصدت في وجوههم شأنها شأن وزارة التربية التي لم تعط تفسيرا إلى غاية مساء أمس.
وتتحدث إحدى التلميذات بثانوية حسيبة بن بوعلي، والتي أجرت امتحان البكالوريا بمركز إجراء ثانوية احمد زبانة وعيناها دامعتان: "أنا مجتهدة كيف يمكن أن أقصى لمدة خمس سنوات وأحرم من البكالوريا، لقد هددني أحد التلاميذ بسكين فكان ينقل إجابتي على ورقته، فلماذا أحرم من البكالوريا". ولم يهضم أولياء تلاميذ ثانوية حسيبة بن بوعلي وزبانة ما لحق بأولادهم، وبخيبة الإقصاء المرّ بسبب الغش في الفلسفة، وطالبوا بتسيلط العقوبة على الأساتذة الحراس، فلو أن هؤلاء قاموا بواجبهم المهني لما استطاع التلاميذ الغش .
وقال أحمد خالد، رئيس اتحادية جمعية أولياء التلاميذ للشروق: "من الظلم معاقبة جميع التلاميذ الغشّاشين والنجباء، فهناك من لم يشارك في الغش، فوجد نفسه مقصيا بسبب الغش". كما اتهم أمس، تلاميذ مقصون أساتذة حراس بوقوفهم وراء عمليات الغش التي حدثت في بعض مراكز الإجراء. وطالب أحمد خالد، بفتح تحقيق وإعطاء فرصة للطلبة المقصيين على غرار مراجعة مدة الإقصاء ومراعاة علامات التلاميذ في الفصول الثلاثة خاصة مادة الفلسفة.
الوجه الآخر لنتائج البكالوريا
أحزان تجتاح بيوت 300 ألف تلميذ راسب
لم تكن نتائج البكالوريا للموسم الحالي، مثل نتائج السنة الماضية التي تزامنت مع احتفالات الجزائريين بخمسينية الاستقلال، وهو ما جعل الجزء الحزين يتفوق لأول مرة على الجزء الفرح بالنجاح في السنوات الثلاث الأخيرة، فتجاوز عدد الذين فشلوا في النجاح الربع مليون طالب وطالبة غالبيتهم من الأحرار.
ومع ذلك فإن أجواء الفرح الصاخب عمّ أمس، مختلف المدن والقرى منذ الصبيحة سواء عبر مواكب شبابية صنع فيها الناجحون فرحة أهاليهم أو عبر الزغاريد التي كسرت الأجواء المناخية الساخنة، ناهيك عن تبادل التهاني وشراء الحلويات والمشروبات والهدايا، وحتى حجز قاعات الحفلات التي شهدت منذ زوال أمس، "بروفات" فرح شبابية.
في الوقت الذي وجد الراسبون أنفسهم وحيدين يتجرّعون الألم مع كل تهنئة لزملائهم، ومع كل زغرودة تنطلق من بيوت الجيران، تقول اسمهان، وهي طالبة آداب "للشروق" أنها لم تشعر بالحزن لأنها قررت أن تعيد البكالوريا حتى ولو نجحت، ولكن طريقة الإعلان عن النتائج عذّبتها حيث أجبر الطلبة على التواجد في نفس المكان بالنسبة للذين لا يملكون الأنترنت في البيت، وهو ما حوّل قاعات الأنترنت إلى متناقضات، حيث لم يتمكن بعض الطلبة من كبت دموع الفرح في الوقت الذي ذرف الراسبون الدموع حزنا على عدم ظهور أسمائهم ضمن الناجحين .
ونجا الكثير من الممتحنين وأوليائهم من السكتة القلبية ومنهم من اقترح العودة إلى الطريقة القديمة التي عرفت في الستينيات والسبعينيات من خلال تكليف ثانويات الولاية بالإعلان عن أسماء الناجحين، رغم أن رقم الناجحين وهو في الغالب يفوق الربع مليون ناجح يجعل العودة إلى هذه الطريقة غير ممكنة، وتمنى الراسبون لو أن المتفوقين احترموا مشاعرهم لأن المبالغة في الأفراح تجرح مشاعرهم، وهو ما عبّر عنه جلال، الذي اتهم امتحان الفلسفة الشائك والمثير للجدل بإفشاله في تحقيق حلمه وحلم والديه، ولم يفهم لماذا يلجأ الطلبة الذين عاشوا معه سنوات على مقاعد الدراسة، لمواكب السيارات المبتهجة بنجاح هذا الطالب أو ذاك. لكن الحزن الحقيقي هو الذي وجدنا عليه أولياء مقتنعين بالنتائج، رغم أن أبناءهم لم يحققوا أحلامهم وحتى الذين تم إقصاؤهم بسبب الغش كانوا في أشد الحزن والغضب .
المصدر: الشروق